الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيُسَمُّونَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ تَسْمِيَةَ الْإِنَاثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ {تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} قَالَ: الْإِنَاثُ. وَقَوْلُهُ {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} يَقُولُ تَعَالَى: وَمَا لَهُمْ بِمَا يَقُولُونَ مِنْ تَسْمِيَتِهِمُ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى مِنْ حَقِيقَةِ عِلْمٍ {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} يَقُولُ: مَا يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الظَّنَّ، يَعْنِي أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ ظَنًّا بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقَوْلُهُ {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} يَقُولُ: وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يَنْفَعُ مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا فَيَقُومَ مَقَامَهُ وَقَوْلُهُ {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدَعْ مَنْ أَدْبَرَ يَا مُحَمَّدُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَيُوَحِّدُهُ. وَقَوْلُهُ {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} يَقُولُ: وَلَمْ يَطْلُبْ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ طَلَبَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْتَمَسَ الْبَقَاءَ فِيهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْمَلَائِكَةِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهَا تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى {مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ إِلَّا هَذَا الْكُفْرَ بِاللَّهِ، وَالشِّرْكَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ بِغَيْرِ يَقِينِ عِلْمٍ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ إِلَّا الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَمُكَايَدَتُهُمْ لِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الشِّرْكِ. وَقَوْلُهُ (إِنَّرَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ {) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ جَارَ عَنْ طَرِيقِهِ فَى سَابِقِ عِلْمِهِ، فَلَا يُؤْمِنُ، وَذَلِكَ الطَّرِيقُ هُوَ الْإِسْلَامُ (} وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) يَقُولُ: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ أَصَابَ طَرِيقَهُ فَسَلَكَهُ فِي سِيَاقِ عِلْمِهِ، وَذَلِكَ الطَّرِيقُ أَيْضًا الْإِسْلَامُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ (وَلِلَّهِ) مُلْكُ {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} مِنْ شَيْءٍ. وَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} يَقُولُ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ عَصَوْهُ مَنْ خَلْقِهِ، فَأَسَاءُوا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَيُثِيبَهُمْ بِهَا النَّارَ {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} يَقُولُ: وَلِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فَأَحْسَنُوا بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا بِالْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ، فَيُثِيبَهُمْ بِهَا. وَقِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْإِيمَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} الْمُؤْمِنُونَ. وَقَوْلُهُ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} يَقُولُ: الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فَلَا يَقْرَبُونَهَا، وَذَلِكَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَمَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي قَوْلِهِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. وَقَوْلُهُ (وَالْفَوَاحِشَ) وَهِيَ الزِّنَا وَمَا أَشْبَهَهُ، مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ حَدَّا. وَقَوْلُهُ (إِلَّا اللَّمَمَ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى“ إِلَّاَ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ، إِلَّا اللَّمَمَ الَّذِي أَلَمُّوا بِهِ مِنَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا لَهُمْ عَنْهُ، فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} يَقُولُ: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: الْمُشْرِكُونَ إِنَّمَا كَانُوا بِالْأَمْسِ يَعْمَلُونَ مَعْنَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِلَّا اللَّمَمَ) مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: وَاللَّمَمُ: الَّذِي أَلَمُّوا بِهِ مِنْ تِلْكَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَغَفَرَهَا لَهُمْ حِينَ أَسْلَمُوا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} فَقَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: كَبَائِرُ الشِّرْكِ وَالْفَوَاحِشُ: الزِّنَى، تَرَكُوا ذَلِكَ حِينَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ مَا كَانُوا أَلَمُّوا بِهِ وَأَصَابُوا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِمَّنْ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ “ إِلَّا “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي اللَّمَمِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَلَا مِنْ كَبَائِرَ الْإِثْمِ، وَقَدْ يُسْتَثْنَى الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ، وَلَيْسَ مِنْهُ عَلَى ضَمِيرٍ قَدْ كَفَّ عَنْهُ فَمَجَازُهُ، إِلَّا أَنْ يُلِمَّ بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَلَا مِنَ الْكَبَائِرِ، قَالَ: الشَّاعِرُ: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ *** إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ وَالْيَعَافِيرُ: الظِّبَاءُ، وَالْعِيسُ: الْإِبِلُ وَلَيْسَا مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ، غَيْرَ أَنَّ بِهِ ظِبَاءً وَإِبِلًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْيَعْفُورُ مِنَ الظِّبَاءِ الْأَحْمَرِ، وَالْأَعْيَسُ: الْأَبْيَضُ. وَقَالَ بِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: زِنَى الْعَيْنَيْنِ: النَّظَرُ، وَزِنَى الشَّفَتَيْنِ: التَّقْبِيلُ، وَزِنَى الْيَدَيْنِ: الْبَطْشُ، وَزِنَى الرِّجْلَيْنِ: الْمَشْيُ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ، فَإِنَّ تَقَدَّمَ بِفَرَجِهِ كَانَ زَانِيًا، وَإِلَّا فَهُوَ اللَّمَمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَهُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُه»“. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: إِنَّ تَقَدَّمَ كَانَ زِنَى، وَإِنَّ تَأَخَّرَ كَانَ لَمَمًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: هُوَ مَا دُونَ الزِّنَى، ثُمَّ ذَكَرَ لَنَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: “ زِنَى الْعَيْنَيْنِ: مَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ، وَزِنَى الْيَدِ: مَا لَمَسَتْ، وَزِنَى الرِّجْلِ: مَا مَشَتْ وَالتَّحْقِيقُ بِالْفَرْجِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِي، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ لُبَابَةَ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: الْقُبْلَةُ، وَالْغَمْزَةُ، وَالنَّظْرَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ، إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَهُوَ الزِّنَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِلَّا أَنْ يُلِمَّ بِهَا ثُمَّ يَتُوبُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِالْفَاحِشَةِ ثُمَّ يَتُوبُ؛ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا *** وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: الَّذِي يُلِمُّ بِالذَّنْبِ ثُمَّ يَدَعُهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا *** وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُزَيْعٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أُرَاهُ رَفَعَهُ: « {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: اللَّمَّةُ مِنَ الزِّنَى، ثُمَّ يَتُوبُ وَلَا يَعُودُ، وَاللَّمَّةُ مِنَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلَا يَعُودُ؛ وَاللَّمَّةُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلَا يَعُودُ، قَالَ: فَتِلْكَ الْإِلْمَام». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: اللَّمَّةُ مِنَ الزِّنَى أَوِ السَّرِقَةِ، أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: اللَّمَّةُ مِنَ الزِّنَى، أَوِ السَّرِقَةِ، أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ ثُمَّ لَا يَعُودُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: قَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: هَذَا الرَّجُلُ يُصِيبُ اللَّمَّةَ مِنَ الزِّنَا، وَاللَّمَّةَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَيُخْفِيهَا فَيَتُوبُ مِنْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (إِلَّا اللَّمَمَ) يُلِمُّ بِهَا فَى الْحِينِ، قُلْتُ الزِّنَى، قَالَ: الزِّنَى ثُمَّ يَتُوبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي اللَّمَمِ: تَكُونُ اللَّمَّةُ مِنَ الرَّجُلِ: الْفَاحِشَةُ ثُمَّ يَتُوبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: الزِّنَى ثُمَّ يَتُوبُ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ (إِلَّا اللَّمَمَ) قَالَ: أَنْ يَقَعَ الْوَقْعَةَ ثُمَّ يَنْتَهِي. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللَّمَمُ: الَّذِي تُلِمُّ الْمَرَّةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: اللَّمَمُ: مَا دُونَ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا مُرَّةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، فِي قَوْلِهِ {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: اللَّمَّةُ يُلِمُّ بِهَا مِنَ الذُّنُوبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: الرَّجُلُ يُلِمُّ بِالذَّنْبِ ثُمَّ يَنْزِعُ عَنْهُ. قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا *** وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ وَجَّهَ مَعْنَى“ إِلَّاَ “ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ: اللَّمَمُ: هُوَ دُونَ حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ، قَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (إِلَّا اللَّمَمَ) قَالَ: مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ، حَدِّ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّمَمُ: مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ: حَدِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ وَقَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَثَلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَدُّ الدُّنْيَا، وَحَدُّ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: اللَّمَمُ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ، حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ، حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ، وَهُوَ اللَّمَمُ، وَهُوَ دُونَ كُلِّ مُوجِبٍ؛ فَأَمَّا حَدُّ الدُّنْيَا فَكُلُّ حَدٍّ فَرَضَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا؛ وَأَمَّا حَدُّ الْآخِرَةِ فَكُلُّ شَيْءٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِالنَّارِ، وَأَخَّرَ عُقُوبَتَهُ إِلَى الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا اللَّمَمَ) يَقُولُ: مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ، كُلُّ ذَنْبٍ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، فَهُوَ اللَّمَمُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} وَاللَّمَمُ: مَا كَانَ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الدُّنْيَا وَلَا حَدَّ الْآخِرَةِ , مُوجِبَةً قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لِأَهْلِهَا النَّارَ، أَوْ فَاحِشَةً يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا. وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّمَمُ: مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ: حَدِّ الدُّنْيَا، وَحَدِّ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ، قَالَا ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اللَّمَمُ: مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ: حَدِّ الدُّنْيَا، وَحَدِّ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَ حَدِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهُوَ اللَّمَمُ يَغْفِرُهُ اللَّهُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ“ إِلَّا “ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَوَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} بِمَا دُونَ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، وَدُونَ الْفَوَاحِشِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُدُودِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ لَهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ عِنْدِي نَظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} فَوَعَدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، الْعَفْوَ عَمَّا دُونَهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ اللَّمَمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُه»“، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيمَا دَوَّنَ وُلُوجِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَفْوُ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا عَنْ عُقُوبَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِيمَا قَدْ عَفَا عَنْهُ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّمَمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُقَارَبَةُ لِلشَّيْءِ، ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: ضَرَبَهُ مَا لَمَمَ الْقَتْلَ يُرِيدُونَ ضَرْبًا مُقَارِبًا لِلْقَتْلِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مِنْ آخَرَ: أَلَمَ يَفْعَلُ فِي مَعْنَى: كَادَ يَفْعَلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَبَّكَ) يَا مُحَمَّدُ {وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}: وَاسْعٌ عَفْوُهُ لِلْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْ ذُنُوبُهُمُ الْفَوَاحِشَ وَكَبَائِرَ الْإِثْمِ. وَإِنَّمَا أَعْلَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ هَذَا عِبَادَهُ أَنَّهُ يَغْفِرُ اللَّمَمَ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الذُّنُوبِ لِمَنِ اجْتَنَبَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} قَدْ غَفَرَ ذَلِكَ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِالْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ مِنَ الْكَافِرِ، وَالْمُحْسِنِ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيءِ، وَالْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي، حِينَ ابْتَدَعَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَحْدَثَكُمْ مِنْهَا بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنْهَا، وَحِينَ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ، يَقُولُ: وَحِينَ أَنْتُمْ حَمْلٌ لَمْ تُولَدُوا مِنْكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ بَعْدَمَا صِرْتُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأَوِلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} قَالَ: كَنَحْوِ قَوْلِهِ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فَى قَوْلِهِ {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} قَالَ: حِينَ خَلَقَ آدَمَ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ خَلَقَكُمْ مِنْ آدَمَ، وَقَرَأَ {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}. وَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ مَعْنَى الْجَنِينِ، وَلِمَ قِيلَ لَهُ جَنِينٌ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلَا تَشْهَدُوا لِأَنْفُسِكُمْ بِأَنَّهَا زَكِيَّةٌ بَرِيئَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} يَقُولُ: فَلَا تُبَرِّئُوهَا. وَقَوْلُهُ {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ أَعْلَمُ بِمَنْ خَافَ عُقُوبَةَ اللَّهِ فَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ مِنْ عِبَادِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَرَأَيْتَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي أَدْبَرَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَنْ دِينِهِ، وَأَعْطَى صَاحِبَهُ قَلِيلًا مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ مَنَعَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَبَخِلَ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَاتَبَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ قَدِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ، فَضَمِنَ لَهُ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ، فَفَعَلَ، فَأَعْطَى الَّذِي عَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضَ مَا كَانَ ضَمِنَ لَهُ، ثُمَّ بَخِلَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ تَمَامَ مَا ضَمِنَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَأَكْدَى) قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ أَكْدَى. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى}... إِلَى قَوْلِهِ {فَهُوَ يَرَى} قَالَ: هَذَا رَجُلٌ أَسْلَمَ، فَلَقِيَهُ بَعْضُ مَنْ يُعَيِّرُهُ فَقَالَ: أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلَتْهُمْ، وَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ، كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْصُرَهُمْ، فَكَيْفَ يُفْعَلُ بِآبَائِكَ، فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْطِنِي شَيْئًا، وَأَنَا أَحْمِلُ كُلَّ عَذَابٍ كَانَ عَلَيْكَ عَنْكَ، فَأَعْطَاهُ شَيْئًا، فَقَالَ زِدْنِي، فَتَعَاسَرَ حَتَّى أَعْطَاهُ شَيْئًا، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا، وَأَشْهَدَ لَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} عَاسَرَهُ {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (أَكْدَى) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} قَالَ: أَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ انْقَطَعَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} يَقُولُ: أَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ انْقَطَعَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} قَالَ: انْقَطَعَ فَلَا يُعْطِي شَيْئًا، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْبِئْرِ يُقَالُ لَهَا أَكَدَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَأَكْدَى): انْقَطَعَ عَطَاؤُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَأَكْدَى) قَالَ: أَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ قَطَعَ ذَلِكَ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَثَلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَأَكْدَى) أَيْ بَخِلَ وَانْقَطَعَ عَطَاؤُهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (وَأَكْدَى) يَقُولُ: انْقَطَعَ عَطَاؤُهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَأَكْدَى) عَاسَرَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَفَرَ فُلَانٌ فَأَكْدَى، وَذَلِكَ إِذَا بَلَغَ الْكُدْيَةَ، وَهُوَ أَنْ يَحْفُرَ الرَّجُلُ فِي السَّهْلِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهُ جَبَلٌ فَيُكْدِي، يُقَالُ: قَدْ أَكْدَى كَدَاءً، وَكَدِيَتْ أَظْفَارُهُ وَأَصَابِعُهُ كَدْيًا شَدِيدًا، مَنْقُوصٌ: إِذَا غَلُظَتْ، وَكَدِيَتْ أَصَابِعُهُ: إِذَا كَلَّتْ فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا، وَكَدَا النَّبْتُ إِذَا قَلَّ رِيعُهُ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: اشْتَقَّ قَوْلَهُ: أَكْدَى، مِنْ كُدْيَةِ الرَّكِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَحْفُرَ حَتَّى يَيْأَسَ مِنَ الْمَاءِ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ بَلَغْنَا كُدْيَتَهَا. وَقَوْلُهُ {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعِنْدَ هَذَا الَّذِي ضَمِنَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ عِلْمُ الْغَيْبِ، فَهُوَ يَرَى حَقِيقَةَ قَوْلِهِ، وَوَفَائِهِ بِمَا وَعَدَهُ. وَقَوْلُهُ (أَمْلَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ لَمْ يُخْبَرْ هَذَا الْمَضْمُونُ لَهُ، أَنْ يُتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، بِالَّذِي فِي صُحُفِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} يَقُولُ: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَى مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَا أُرْسِلَ بِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الَّذِي وَفَّى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَفَاؤُهُ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ رَبُّهُ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ، وَهُوَ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: كَانُوا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ يَأْخُذُونَ الْوَلِيَّ بِالْوَلِيِّ، حَتَّى كَانَ إِبْرَاهِيمُ، فَبَلَّغَ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا يُؤَاخِذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالُوا: بَلَّغَ هَذِهِ الْآيَاتِ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: وَفَّى طَاعَةَ اللَّهِ، وَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ إِلَى خَلْقِهِ. وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: وَفَّى هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الْعَشْرَ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}... حَتَّى بَلَغَ {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وَفَّى طَاعَةَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ إِلَى خَلْقِهِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: بَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: بَلَّغَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: وَفَّى: بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ، بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، كَمَا يُبَلِّغُ الرَّجُلُ مَا أُرْسِلَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَفَّى بِمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ، وَقَالُوا قَوْلُهُ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ , وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَبِمَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} يَقُولُ: إِبْرَاهِيمُ الَّذِي اسْتَكْمَلَ الطَّاعَةَ فِيمَا فَعَلَ بِابْنِهِ حِينَ رَأَى الرُّؤْيَا، وَالَّذِي فِي صُحُفِ مُوسَى {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}... إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: وَفَّى بِذَبْحِ ابْنِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ وَفَّى رَبَّهُ جَمِيعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْإِسْلَامُ ثَلَاثُونَ سَهْمًا. وَمَا ابْتُلِيَ بِهَذَا الدِّينِ أَحَدٌ فَأَقَامَهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ اللَّهُ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَفَى بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا رَشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَّا أخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَة. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَفَّى رَبَّهُ عَمَلَ يَوْمِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: “ أَتَدْرُونَ مَا وَفَّى “؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي النَّهَار»“. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَفَّى جَمِيعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ وَفَّى فَعَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ تَوَفِيَتِهِ جَمِيعَ الطَّاعَةِ، وَلَمْ يُخَصَّصْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّهُ خَصَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفَّى {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، لَا مِمَّا خُصَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ أَنَّهُ وَفَّى. وَأَمَّا التَّوْفِيَةُ فَإِنَّهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَلَوْ صَحَّ الْخِبْرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ نَعْدُ الْقَوْلَ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِمَا نَظَرٌ يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِيهِمَا مِنْ أَجْلِهِ. وَقَوْلُهُ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَإِنَّ مِنْ قَوْلِهِ (أَلَّا تَزِرُ) عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى“ مَا “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} يَعْنِي بِقَوْلِهِ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} غَيْرِهَا، بَلْ كُلُّ آثِمَةٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهَا عَلَيْهَا. وَقَدْ بَيَّنَا تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ فِي قَوْلِهِ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} إِلَى قَوْلِهِ {مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قَالَ: هَذَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الَّذِي ضَمِنَ لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: أَلَمْ يُخْبَرْ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَضَامِنُ هَذَا الضَّمَانِ بِالَّذِي فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ مَكْتُوبٌ: أَنْ لَا تَأْثَمُ آثِمَةٌ إِثْمَ أُخْرَى غَيْرِهَا {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَوُ لَمْ يُنَبَّأْ أَنَّهُ لَا يُجَازَى عَامِلٌ إِلَّا بِعَمَلِهِ، خَيْرًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ شَرًّا. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، وَقَرَأَ {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} قَالَ: أَعْمَالُكُمْ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فَأَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}. قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ عَمَلَ كُلِّ عَامِلٍ سَوْفَ يَرَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ وَرَدَ الْقِيَامَةَ بِالْجَزَاءِ الَّذِي يُجَازَى عَلَيْهِ، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، لَا يُؤَاخَذُ بِعُقُوبَةِ ذَنْبٍ غَيْرُ عَامِلِهِ، وَلَا يُثَابُ عَلَى صَالِحٍ عَمِلَهُ عَامِلٌ غَيْرُهُ. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ: الَّذِي رَجَعَ عَنْ إِسْلَامِهِ بِضَمَانِ صَاحِبِهِ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ الْعَذَابَ، أَنَّ ضَمَانَهُ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئًا، لِأَنَّ كُلُّ عَامِلٍ فَبِعَمَلِهِ مَأْخُوذٌ. وَقَوْلُهُ {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يُثَابُ بِسَعْيِهِ ذَلِكَ الثَّوَابَ الْأَوْفَى. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (الْأَوْفَى) لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا وَعَدَ خَلْقَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَاءِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ يُجْزَاهُ) مِنْ ذِكْرِ السَّعْيِ، وَعَلَيْهِ عَادَتْ. وَقَوْلُهُ {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ انْتِهَاءُ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَمَرْجِعُهُمْ، وَهُوَ الْمُجَازِي جَمِيعَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، صَالِحَهُمْ وَطَالِحَهُمْ، وَمُحْسِنَهُمْ وَمُسِيئَهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ رَبَّكَ هُوَ أَضْحَكَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ بِدُخُولِهِمْ إِيَّاهَا، وَأَبْكَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ بِدُخُولِهُمُوهَا، وَأَضْحَكَ مَنْ شَاءَ مَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأَبْكَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْكِيَهُ مِنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ مَنْ مَاتَ مَنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ أَحْيَا مَنْ حَيَا مِنْهُمْ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ (أَحْيَا) نَفْخَ الرُّوحِ فِي النُّطْفَةِ الْمَيِّتَةِ، فَجَعَلَهَا حَيَّةً بِتَصْيِيرِهِ الرُّوحَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّهُ ابْتَدَعَ إِنْشَاءَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَجَعْلَهُمَا زَوْجَيْنِ، لِأَنَّ الذَّكَرَ زَوْجُ الْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى لَهُ زَوْجٌ فَهُمَا زَوْجَانِ، يَكُونُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجًا لِلْآخَرِ. وَقَوْلُهُ {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} وَ“ مِنْ “ مِنْ صِلَةِ خَلَقَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا أَمِنَاهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ. وَقَوْلُهُ {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ عَلَى رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ يَخْلُقَ هَذَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَبَلَاهُمْ فِي قُبُورِهِمْ الْخَلْقَ الْآخَرَ، وَذَلِكَ إِعَادَتُهُمْ أَحْيَاءً خَلْقًا جَدِيدًا، كَمَا كَانُوا قَبْلَ مَمَاتِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ رَبَّكَ هُوَ أَغْنَى مَنْ أَغْنَى مَنْ خَلْقِهِ بِالْمَالِ وَأَقْنَاهُ، فَجَعَلَ لَهُ قِنْيَةَ أُصُولِ أَمْوَالٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلُهُ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى الْمَالَ وَأَقْنَى الْقِنْيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: (أَغْنَى): أَخْدَمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى: مَوَّلَ، وَأَقْنَى: أَخْدَمَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَخْدَمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى وَأَخْدَمَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَعْطَى وَأَرْضَى وَأَخْدَمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ أَغْنَى مِنَ الْمَالِ وَأَقْنَى: رَضَّى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَى أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: فَإِنَّهُ أَغْنَى وَأَرْضَى. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى مَوَّلَ، وَأَقْنَى: رَضَّى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ:: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (أَغْنَى) قَالَ: مَوَّلَ (وَأَقْنَى) قَالَ: رَضَّى. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} يَقُولُ: أَعْطَاهُ وَأَرْضَاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ أَغْنَى نَفْسَهُ، وَأَفْقَرَ خَلْقَهُ إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ أَغْنَى نَفْسَهُ، وَأَفْقَرَ الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ أَغْنَى مَنْ شَاءَ مَنْ خَلْقِهِ، وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى فَأَكْثَرَ، وَأَقْنَى أَقَلَّ، وَقَرَأَ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ}. وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى، يَعْنِي بِالشِّعْرَى: النَّجْمَ الَّذِي يُسَمَّى هَذَا الْاسَمَ، وَهُوَ نَجْمٌ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} قَالَ: هُوَ الْكَوْكَبُ الَّذِي يُدْعَى الشِّعْرَى. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} قَالَ: الْكَوْكَبُ الَّذِي خَلْفَ الْجَوْزَاءِ، كَانُوا يَعْبُدُونَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} قَالَ: كَانَ يُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {رَبُّ الشِّعْرَى} قَالَ: مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} كَانَ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ الشِّعْرَى هَذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَيْتُمْ، قَالَ بِشْرٌ، قَالَ: يُرِيدُ النَّجْمَ الَّذِي يَتْبَعُ الْجَوْزَاءَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {رَبُّ الشِّعْرَى} قَالَ: كَانَ نَاسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ هَذَا النَّجْمَ الَّذِي الَّذِي يُقَالُ لَهُ الشِّعْرَى. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: تَعْبُدُونَ هَذِهِ وَتَتْرُكُونَ رَبَّهَا؟ اعْبُدُوا رَبَّهَا. قَالَ: وَالشِّعْرَى: النَّجْمُ الْوَقَّادُ الَّذِي يَتْبَعُ الْجَوْزَاءَ، يُقَالُ لَهُ الْمِرْزَمُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِعَادٍ الْأُولَى: عَادَ بْنَ إِرَمَ بْنِ عَوْصِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَهُمُ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، وَإِيَّاهُمْ عَنَى بِقَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ} وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ “ عَادًا لُولَى “ بِتَرْكِ الْهَمْزِ وَجَزْمِ النُّونِ حَتَّى صَارَتْ اللَّامُ فِي "الْأُولَى "، كَأَنَّهَا لَامٌ مُثْقَلَةٌ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا، حُكِيَ عَنْهَا سَمَاعًا مِنْهُمْ: “ قُمْ لَانَ عَنَّاَ “، يُرِيدُ: قُمِ الْآنَ، جَزَمُوا الْمِيمَ لَمَّا حُرِّكَتِ اللَّامُ الَّتِي مَعَ الْأَلِفِ فِي" الْآنِ "، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: "صُمِ اثْنَيْنِ "، يُرِيدُون" صُمْ الِاثْنَيْنِ ". وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَرَأُوا ذَلِكَ بِإِظْهَارِ النُّونِ وَكَسْرِهَا، وَهَمْزِ الْأُولَى عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ عَنِ الْأَعْمَشِ، فَرَوَى أَصْحَابُهُ عَنْهُ غَيْرَ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ مُوَافَقَةَ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ فَحُكِيَ عَنْهُ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ وَافَقَ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ قُرَّاءَ الْمَدَنِيِّينَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ السَّلِيقَةِ فَعَلَى الْبَيَانِ وَالتَّفْخِيمِ، وَأَنَّ الْإِدْغَامَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَرْفِ وَتَرْكِ الْبَيَانِ إِنَّمَا يُوَسَّعُ فِيهِ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ سَجِيَّتُهُ وَطَبْعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي. فَأَمَّا الْمُوَلَّدُونَ فَإِنَّ حُكْمَهُمْ أَنْ يَتَحَرَّوْا أَفْصَحَ الْقِرَاءَاتِ وَأَعْذَبَهَا وَأثْبَتَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً غَيْرَ مَرْدُودَةٍ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِعَادِ بْنِ إِرَمَ: عَادٌ الْأُولَى، لِأَنَّ بَنِي لُقَيْمِ بْنِ هَزَّالِ بْنِ هَزْلِ بْنِ عَبِيلِ بْنِ ضِدِّ بْنِ عَادٍ الْأَكْبَرِ، كَانُوا أَيَّامَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى الْأَكْبَرِ عَذَابَهُ سُكَّانًا بِمَكَّةَ مَعَ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْعَمَالِقَةِ، وَلَدِ عِمْلِيقِ بْنِ لَاوَذِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ قَوْمِهِمْ مِنْ عَادٍ بِأَرْضِهِمْ، فَلَمْ يُصِبْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا أَصَابَ قَوْمَهُمْ، وَهُمْ عَادٌ الْآخِرَةُ، ثُمَّ هَلَكُوا بَعْدُ. وَكَانَ هَلَاكُ عَادٍ الْآخِرَةِ بِبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَتَفَانَوْا بِالْقَتْلِ فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا ذَكَرْنَا قِيلَ لِعَادٍ الْأَكْبَرِ الَّذِي أَهْلَكَ اللَّهُ ذُرِّيَّتَهُ بِالرِّيحِ: عَادٌ الْأُولَى، لِأَنَّهَا أُهْلِكَتْ قَبْلَ عَادٍ الْآخِرَةِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ لِعَادٍ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأُمَمِ هَلَاكًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} قَالَ: يُقَالُ: هِيَ مِنْ أَوَّلِ الْأُمَمِ. وَقَوْلُهُ: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يُبْقِ اللَّهُ ثَمُودَ فَيَتْرُكَهَا عَلَى طُغْيَانِهَا وَتَمَرُّدِهَا عَلَى رَبِّهَا مُقِيمَةً، وَلَكِنَّهُ عَاقَبَهَا بِكُفْرِهَا وَعُتُوِّهَا فَأَهْلَكَهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} بِالْإِجْرَاءِ إِتْبَاعًا لِلْمُصْحَفِ، إِذْ كَانَتِ الْأَلِفُ مُثْبَتَةً فِيهِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ عَامَّةِ الْكُوفِيِّينَ بِتَرْكِ الْإِجْرَاءِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِصِحَّتِهِمَا فِي الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى. وَقَدْ بَيَّنَا قِصَّةَ ثَمُودَ وَسَبَبَ هَلَاكِهَا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلِ عَادٍ وَثَمُودَ، إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ ظُلْمًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَعْظَمَ كُفْرًا بِرَبِّهِمْ، وَأَشَدَّ طُغْيَانًا وَتَمَرُّدًا عَلَى اللَّهِ مِنَ الَّذِينَ أهْلَكَهُمْ مِنْ بَعْدُ مِنَ الْأُمَمِ، وَكَانَ طُغْيَانُهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا بِذَلِكَ أَكْثَرَ طُغْيَانًا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} لَمْ يَكُنْ قَبِيلٌ مِنَ النَّاسِ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، دَعَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُوحٌ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، كُلَّمَا هَلَكَ قَرْنٌ وَنَشَأَ قَرْنٌ دَعَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ حَتَّى ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْخُذُ بِيَدِ ابْنِهِ فَيَمْشِي بِهِ، فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبِي قَدْ مَشَى بِي إِلَى هَذَا، وَأَنَا مِثْلُكَ يَوْمَئِذٍ تَتَابُعًا فِي الضَّلَالَةِ، وَتَكْذِيبًا بِأَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} قَالَ: دَعَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا. وَقَوْلُهُ: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} يَقُولُ تَعَالَى: وَالْمَخْسُوفُ بِهَا، الْمَقْلُوبُ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا، وَهِيَ قَرْيَةُ سَذُومَ قَوْمِ لُوطٍ، أَهْوَى اللَّهَ، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَهَا مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ بِجَنَاحِهِ، ثُمَّ أَهْوَاهَا مَقْلُوبَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: أَهْوَاهَا جِبْرِيلُ، قَالَ: رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ أَهْوَاهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عِيسَى يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: قَرْيَةُ لُوطٍ حِينَ أَهْوَى بِهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: قَرْيَةُ لُوطٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: هُمْ قَوْمُ لُوطٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: قَرْيَةُ لُوطٍ أَهْوَاهَا مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا ذَاكَ الصَّخْرَ، اقْتُلِعَتْ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ هَوَى بِهَا فِي السَّمَاءِ ثُمَّ قُلِبَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} قَالَ: الْمُكَذِّبِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَغَشَّى اللَّهُ الْمُؤْتَفِكَةَ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمَنْضُودَةِ الْمُسَوَّمَةِ مَا غَشَّاهَا، فَأمْطَرَهَا إِيَّاهُ مِنْ سِجِّيلٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} غَشَّاهَا صَخْرًا مَنْضُودًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} قَالَ: الْحِجَارَةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} قَالَ: الْحِجَارَةُ الَّتِي رَمَاهُمْ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}. يَقُولُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نَعْمَاتِ رَبِّكَ يَا ابْنَ آدَمَ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكَ تَرْتَابُ وَتَشُكُّ وَتُجَادِلُ، وَالْآلَاءُ: جَمْعُ إِلْيٍ. وَفِي وَاحِدِهَا لُغَاتٌ ثَلَاثَةٌ: أَلَيٌ عَلَى مِثَال عَلَيٌ، وَإِلْيٌ عَلَى مِثَالِ عِلْيٌ، وَإِلَىٌ عَلَى مِثَالِ عِلَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} يَقُولُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ اللَّهِ تَتَمَارَى يَا ابْنَ آدَمَ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} قَالَ: بِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكَ تَتَمَارَى. وَقَوْلُهُ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} وَوَصْفِهِ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ مِنَ النُّذُرِ الْأَوْلَى وَهُوَ آخِرُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ نَذِيرٌ لِقَوْمِهِ، وَكَانَتِ النُّذُرُ الَّذِينَ قَبِلَهُ نُذُرًا لِقَوْمِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَوَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قَالَ: أَنْذَرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنْذَرَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} إِنَّمَا بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بَعَثَ الرُّسُلَ قَبْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قَالَ: هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا كُلِّهِ، وَقَالُوا: مَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكُمْ أَنِّي أَوْقَعْتُهَا بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ النُّذُرِ الَّتِي أَنْذَرْتُهَا الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قَالَ: مِمَّا أَنْذَرُوا بِهِ قَوْمَهُمْ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْآيَاتِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى "نَذِيرُ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى" الَّتِي جَاءَتِ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ كَمَا جَاءَتْكُمْ، فَقَوْلُهُ (هَذَا) بِأَنْ تَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى وَأَشْبَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} يَقُولُ: دَنَتِ الدَّانِيَةُ: وَإِنَّمَا يَعْنِي: دَنَتِ الْقِيَامَةُ الْقَرِيبَةُ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ يُقَالُ مِنْهُ: أَزِفَ رَحِيلُ فُلَانٍ. إِذَا دَنَا وَقَرُبَ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنَى ذُبْيَانَ: أَزِفَ التَّرُحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا *** لَمَّا تَزَلْ بِرَحَالِنَا وَكَأَنَّ قَدٍ وَكَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ: بَانَ الشَّبَابُ وَأَمْسَى الشَّيْبُ قَدْ أَزِفَا *** وَلَا أَرَى لِشَبَابٍ ذَاهِبٍ خَلَفَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَا ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} قَالَ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} قَالَ: السَّاعَةُ. {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}. وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ لِلْآزِفَةِ الَّتِي قَدْ أَزِفَتْ، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي قَدْ دَنَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفٌ، يَقُولُ: لَيْسَ تَنْكَشِفُ فَتَقُومُ إِلَّا بِإِقَامَةِ اللَّهِ إِيَّاهَا، وَكَشْفِهَا دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِعَ عَلَيْهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا. وَقِيلَ: كَاشِفَةٌ، فَأُنِّثَتْ، وَهِيَ بِمَعْنَى الِانْكِشَافِ؛ كَمَا قِيلَ: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} بِمَعْنَى: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَقَاءٍ؛ وَكَمَا قِيلَ: الْعَاقِبَةُ وَمَا لَهُ مِنْ نَاهِيَةٍ، وَكَمَا قِيلَ {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} بِمَعْنَى تَكْذِيبٍ، {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} بِمَعْنَى خِيَانَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: أَفَمِنْ هَذَا الْقُرْآنِ أَيُّهَا النَّاسُ تَعْجَبُونَ، أَنْ نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَضْحَكُونَ مِنْهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ، وَلَا تَبْكُونَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لِأَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ، وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} يَقُولُ: وَأَنْتُمْ لَاهُونَ عَمَّا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ وَالذِّكْرِ، مُعْرِضُونَ عَنْ آيَاتِهِ؛ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: دَعْ عَنَّا سُمُودَكَ، يُرَادُ بِهِ: دَعْ عَنَّا لَهْوَكَ، يُقَالُ مِنْهُ: سَمَدَ فُلَانٌ يَسْمُدُ سُمُودًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ بِالْعِبَارَةِ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَافِلُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُغَنُّونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُبَرْطِمُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ (سَامِدُونَ) قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ، قَالَ الْيَمَانِيُّ: اسْمُدْ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (سَامِدُونَ) يَقُولُ: لَاهُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} يَقُولُ: لَاهُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هِيَ يَمَانِيَةٌ اسْمُدْ: تَغَنَّ لَنَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَهِيَ يَمَانِيَةٌ، يَقُولُونَ: اسْمُدْ لَنَا: تَغَنَّ لَنَا. قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: كَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَامِخِينَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْفَحْلِ فِي الْإِبِلِ عَطِنًا شَامِخًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبَى عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: غَافِلُونَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: كَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِضَابًا مُبَرْطِمِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ وَوَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هِيَ الْبَرْطَمَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْبَرْطَمَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْبَرْطَمَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّامِدُونَ: الْمُغَنُّونَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: السَّامِدُونَ يُغَنُّونَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ، لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ (سَامِدُونَ): أَيْ غَافِلُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ (سَامِدُونَ) قَالَ: غَافِلُونَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} السُّمُودُ: اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَآهُمْ قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ سَامِدُونَ. حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَا ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَحْنُ قِيَامٌ، فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ. قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، بِمَثَلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: قِيَامُ الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْإِمَامُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عِمْرَانَ الْخَيَّاطِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْقَوْمِ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ قِيَامًا؛ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: ذَاكَ السُّمُودُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ لَيْثٍ وَالْعَزْرَمِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْبَرْطَمَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْغَنَاءُ بِالْيَمَانِيَةِ: اسْمُدْ لَنَا. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: السَّامِدُ: الْغَافِلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُومُوا إِذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ الْإِمَامُ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ قِيَامًا، وَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ السُّمُودُ، أَوْ مِنَ السُّمُودِ. وَقَوْلُهُ {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ فِي صَلَاتِكُمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَالسُّجُودَ، وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ. آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ.
|